وادي المخازن
وخلل الموازين / الجزء 18
القصر الكبير
: مصطفى منيغ
الحنين لِما وقَعَ
ليس تأكيد لتجربةٍ وينتهي الانشغال ، بل ترسيخ ظل وسيظل محفوراً فوق البال ، حيث
استوطن الأخير العقلَ الباطن أو سابحاً مع ميزة الفطنة الفطريَّة كحالةٍ من أي حال
، إذ ما تَمَّ خيراً أو سوءا مُنتهي تسجيله بكيفية وسرعة لن يدركهما العلم البشري
مهما حاول ، مِن المستحيلات فكّ التصاقهما
بالخيال ، أكانوا أصحابه من الواعين أو الجُهَّال .
الحنين ميل لمن حسبه
نَبْعَ راحةِ الارتياح ، من وخز ضمير حليف
صرصار في فنِّ الإزعاجِ مدَّاح ،
إن بدأ في ترديد لحنه المُنكر عن صُداعه المُضرِّ بالسمع لا ينزاح ، رغم دقة صغره
يفوق ضجيجا عن كلب يعبِّر عن سغبه بالنَّبح .
... البرتغاليون
كلما سمعوا بالقصر الكبير ، تَحْمَرُّ وجوههم أو تَصْفًر ، وتنسابهم قشعريرة
اكتسبوها بالوراثة الثقافية أباً عن جد ، وهم يستحضرون نهاية دولتهم ، التي قادها
الملك سان سبستيان للهاوية والتفتت وفقدان قواعد الإمبراطورية ، الجاعلة منها (ذاك
الوقت) القوة العُظمى التي يُضرَب لها ألف حساب ، جاعلين من مدينة القصر الكبير ، رمز
ذكرى أحزن من الحزن وأمر من العلقم ، الغير
المستساغ طعمها ولو
في سياق أي حديث ، لم أسمع بهذا بل عشته شخصياً في أواسط السبعينيات من القرن
الماضي ، حينما قمتُ بزيارةٍ لمدينة "الفارو" البرتغالية عاصمة "الغربي"
، بدعوة من السيدة "تيريزا" التي سبق أن تعرفتُ عليها في مدينة بروكسيل
البلجيكية ، أثناء اقامتى المطولة بها ، وكانت مهاجرة باحثة عن مستقبلها في تلك
الديار الكفيلة باستقبال الآجانب وأغلبهم من المغرب واسبانيا والبرتغال ، بل
واعطاؤهم الفرصة لتكوين أنفسهم في جو من الاطمئنان الاقتصادي ، وحرية إبداء الرأي
، والتمتع بكل مميزات حقوق الإنسان المشروعة دون تفضيل بين لون بشرة أو جنس أو عقيدة
، حضرت لقلب أوربا ، وحيدة لا تملك إلا ارادة قوية وإصرار على ضمان ما يؤهلها
لتكون كما ارادت أن تكون ، أنثى مستقلة في اتخاذ قراراتها المصيرية دون رقيب أو
حسيب ، كنتُ جالساً في ركن من مقهى محطة "ميدي" للسكك الحديدية ، مفكراً
في الانتقال لقضاء يومي السبت والاحد في مدينة "أوطريخت" الهولندية ،
وبدون مقدمات رأيتها تمد يدها لمصافحتي ، ولتجلس بجواري ، وتحدثني بإسبانية ركيكة
نوعاً ما ، واطلع على ما توجهت صوبي ناشدة مساعدتي ، مدعية في محاولتها إقناعي ،
أنها تمعنت في ملامح وجهي ليتأكد لها أنني من المغرب ، وأهل المغرب لهم في وجدانها
مكانة خاصة لسبب وعدتني أن تبلغني بتفصيله في وقت لاحق لطول موضوعه ، رحبتُ بها
وعرضتُ عليها المساعدة قدر الإمكان ، وفي مقدمة ذلك استضافتها في بيتي ريتما تعثر
على مكان تستقر فيه . مرت الايام و معاً على أتمِّ وِفاق ، إلى أن حلَّت ساعة
الفراق ، بانتقالي للعيش في المملكة الهولندية ، لتبقى العلاقة الطيبة قائمة بيننا
ألى أن عادت لمدينتها الأصلية "فارو" لتدير مشروعاً أقامته هناك يخصها ،
وتوجه لي دعوة لزيارتها فلبيتُ الدعوة ، وفي تلك المدينة البرتغالية الجميلة ،
وبينما نحن نتجول في شارع(Gomes Rua Dom
Francisco) أوقفنا أحد
أقاربها ولم يكتف بسماع اسمي ، بل طالب معرفة المدينة التي انتسب اليها ، وما أن
نطقَت بالقصر الكبير ، حتى اصفرَّ وجهه وانسحب دون وداع أو استئذان ، وأمام
استغرابي أقنعتني العزيزة "تيريزا" أن معركة وادي المخازن وارتباطها بتلك
المدينة المغربية يجعل بعض المتعصبين من البرتغاليين ، يتذكرون بنوع من الأسى والأسف
، وأحيانا بغضب شديد ، ما آلت إليه الأمور هناك ، بقتل ألاف البرتغاليين واسر الآلاف
منهم ، وقد أثر ذلك على المجتمع البرتغالي (ساعتئذ) بشكل لا يوصف ، حيث انتقلت
البرتغال من مكانة الصدارة ألي حضيض
احتلالها من لدن اسبانيا ، وما يعني ذاك الاحتلال من ألم مضاف لهزيمتها النكراء بالمتسلط
عليها قهرا ومذلةً وتعسفا ، وأشياء تقشعر منها الأبدان . قلتُ لها : مدينة القصر
الكبير كانت في وضعية الدفاع عن النفس اتجاه معتدي جرَّ من ورائه جيشا جرَّاراً ،
بنية القضاء المبرم على شعب آمن ، بل ومسح عقيدة الإسلام من ارض لا عيش لها بدونه
أصلا ، وما جزاء المعتدي إلا ما لقيه الملك البرتغالي ومَن معه ، مِن الخونة
الطامع أحدهم في بيع أبناء جلدته ليحظى بكرسي الحكم ، فكان مصيره ليس الغرق في في
وادي المخازن وحسب ، بل إفراغ جسده من الأحشاء وملئه بالتبن ، ليُعرض عبرة لمن قد
تسول له نفسه خيانة وطنه ، ليُلَقَّب من ساعتها بالملك المسلوخ .
مصطفى منيغ
سفير السلام
العالمي
مدير مكتب
المغرب لمنظمة الضمير العالمي لحقوق الإنسان في سيدني – أستراليا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق