الخميس، 4 ديسمبر 2025

وادي المخازن وخلل الموازين / الجزء 19

 

وادي المخازن وخلل الموازين / الجزء 19

القصر الكبير : مصطفى مُنِيغْ

الحنين حِسابٌ شخصي في مَصْرِفٍ مَقره كامٍن في لبِّ الذاكرة ، يرجع إليه مَن يرجع في أي مرة دون تقيُّد بمواعيد محدَّدة في مُفكِّرة ، ليس لسحب أي شيء و حتى الإيداع فيه يتم بطريقة تحت إشراف "تلقائية" لِدِقَّةِ الأحداث (سابقة كل سابقة) مُكبِّرَة ، للعقل في العملية نصيب لكن المسؤولية جميعها واقعة على كاهل صاحبه الصغيرة المنسوبة لذات العملية كالكبيرة ، ودائع خلاف مكنزمات المصارف العادية مهما تنوَّعت في خصائص معمولة لجلب الزبناء بمضمون جوهري واحد وتطبيقات سطحية مُتكَرِّرة ، تَبْقَى على حالها مهما بلغت عرضاً وطولاً و مهما رافقت الأرصدة / التصرفات  المخزونة من أصوات أكانت هادئة لدرجة الوشوشة أو على حِدَّةٍ لا تُطاق من الهرج والمرج عن جدِّية المُبرٍّرات أو مقاصد ساخِرَة ، حساب بنكي دوره الاحتفاظ بالمكدَّس مِن المعاملات والصنائع المرتبطة (كما حصلت دون إضافة أو نقصان) بإنسان على امتداد عمره ليُفتَح يوم الحساب شهادات تُدخِل الجنَّة أو تدفع لهول عذاب الآخرة.

الحنين كابوس لمن سطع نجمه بسواد غطَّى ما اكتنزه من أدوات الثراء أوراقاً مصرفية كانت أو عقارات تحتضن مشروعات شتى لإبعاد نور الحقيقة على فضحه ، غير آبه بما يعرفه الناس داخل نفس المدينة كخارجها عن انفراده بتنفيذ تعليمات تزين له اكتساب الحرام ضماناً لدوام سعادته وفرحه ، متناسيا أن زراعة البذور الفاسدة حصادها نتاجه الخواء المسبب خراب المعني بالأمر ومضاعفة آلام جرحه ، وقد يصل اليوم المُقدَّر من طرف الحلال مبدِّداً ما شيِّد بالحرام والقضاء على ذاك المفسد كالفساد بمسحه .

... لاسترسال معاناة مدينة القصر الكبير ، كلما حلَّ عامل / محافظ جديد ، على رأس مسؤولية إقليم العرائش ، هناك تفسير يؤكد المفعول ، إن كان الأمر يحتاج إلى تفسير ، وفي مقدمته الحصار السلبي المضروب على هذه المدينة المجاهدة ، المُقترن اسمها بملحمة وادي المخازن التي أطاحت بدولة برتغالية لقبت نفسها (خلال مرحلة معينة) بملكة البحار، معتبرة ذاتها القوة الأوربية الأولى ، الباسطة أذرعها عبر القارات ، متسلّطة محتلًّة ثغوراُ عالمية شتى ، وبدل أن يشفع للمدينة المذكورة  هذا الانجاز ، الذي حققته بزعامة الملوك السعديين ، انقلب إلى غضب عليها لوفائها لتلك المواقف الجهادية القائمة على أساس رفع راية الإسلام خفاقة عبر الأزمنة ، التي كانت مصدراً لقيام الأقوياء الجدد ومنهم المغرب ، الذي أصبح بعد معركة وادي المخازن المجيدة ، غير المغرب قبلها ، ومن العمال / المحافظين الذين شهدت القصر الكبير في عهدهم  تقهقراً ملحوظاً ، في ما نشرتُ في شأن أحدهم ، يوم الأربعاء 23 ابريل سنة 2014 ، بجريدة الأمل المغربية العدد 53 ، من مقال عنوانه : "للفشل الكامل المتكامل ، يقود إقليم العرائش هذا العامل " جاء فيه :

" منذ ظهور افليم العرائش على خريطة التقسيم الاداري من هذا المستوى ، لم نشهد موظفاً بدرجة عامل / محافظ رئيساً لإدارته الترابية ، أفشل من العامل / المحافظ الحالي ويُدعى نبيل الخروبي ، من عالم آخر خارج واقع  المنطقة ، يسبح في بركة يخصصها بعص المحظوظين لأطفال وُلدوا لعائلات تربوا على امتصاص اللبن من قرورة مصنوعة من الذهب الخالص المذاب على أضلع المقهورين من عموم سكان هذا الإقليم ، ومجملهم المستقرين في مدينة القصر الكبير ، المنكوبة بما يُطبَّق عليها من تهمبش وإقصاء ، وكأنها الاستثناء المغضوب عليه من عقدين شكَّلا أسوا مرحلة عاشتها كمدينة ، تُجرَي فيها الانتخابات ليُقال انها محسوبة على المملكة المغربية .  تابعونا كي نريكم قصة الاستهتار الملزمة بتلقِّيه مدينة اعرق من الرباط ، وأجدر حضارة من فاس ، وأقدم من مراكش ، التاريخ لا زال على قيد الحياة في أسفارٍ لا غبار على مصداقية مؤلفيها من أجناس  متعددة عبر العالمين الأوربي والعربي ، التاريخ المروي بأكثر من لغة حية ، ومنها الإغريقية التي خلال إقامتي في عاصمة المتحدثين بها "اثينا" كصحفي سكرتير تحرير إحدى مجلاتها الحضارة ، المشهود لها بتقريب التعاون بين الثقافتين العربية واليونانية ، وقفت على القصر الكبير حينما كانت معشوقة من طرف بعض أصدقاء الحكمة  الزاحفين حيث حطَّت رحالهم في تلك الأزمنة الغابرة ، بمساحة مابين النهر والبحر  تجسِّم  تقارب التربة على قياس الخصب ولطف نفس الجو الباعث انتعاش الروح المفعمة بطموح التوسُّع مع افق الفكر الذي تخطى الحدود في مغامرة البحث عن جمال الطبيعة والاستقرار ، حيث تبِعها المشبع بنور الابتكار ، والدفع بما يضيف على المضاف لخير الأخيار ، شِعراً في قصيدة أو آلة تشق الأرض لنماء زرع البقاء ، لِما وكما شاء  الخالق الحي القيوم ذو الحلال والإكرام سبحانه وتعالى لا شريك له ، امتداد لا يتأتَّى عن فراغ ، ليتدبَّر الأمر مَن يحلل انطلاقاًً من معطيات تُؤسِّس لحقائق تبقى الشاهد الاوفر لضمان النطق بتعابير الاختيار ، عند المقارنة القائمة على مناشدة الانصاف ممن تَكَأْكَأَ عليه تخطيط يَسوق الناحية سَوْقَ أغنامٍ محكوم غليها بتقليد الحمير صبراً لحمل اوزار الغير جوراً وصمتاً ، لتمكين الظالمين مِن استمرارية نهب ارزاق العباد والأرض معا لا فرق .

... حينما تطرَّقت جريدة الأمل المغربية لملف الأمن ، بمنح عيِّنةٍ تبرز مدى عمق الفجوة المترتِّبة عن تخلي الشرطة المحلية عن تادية مهامها بشكل قطعي ، فعلت ذلك قياماً بواجبها حيال مواطني القصر الكبير بمختلف تلويناتهم السياسية ومشاربهم الفكرية و مواقفهم من الاحداث التي قضَّت صراحة مضاجعهم ، فعلت ذلك دون خوف من احد وبخاصة من ذاك اللوبي الخطير الجاثم على صدور الأبرياء مباشرة او بطرُقٍ ملتوية لم تعد خافية على احد ، في ذات الوقت اجتمع العامل / المحافظ مع أقرب المقربين اليه ليحدثهم عن نقطة سوداء تفرح المجرمين بكيفية لم يشهد لها مثيلاً ، هي الانطلاق الازرق ، لما يحياه إقليم اللثلاق ، مِن شديد قلق ، والحل كل الحل فتح حوارٍ مع بعض المقربين لفخامته  ، المتعاطين مع طروحاته التي لا تزيد للطين إلا بلَّة ، مستعيناً بباشا الهشاشة والبشاشة ، يتقاسم النفوذ مع رئيسي دائرتي "المْرِينَة" و"مولاي علي بوغالب" ، الكائنتين داخل مدينة القصر الكبير ، كوضعية تنفرد بها هذه المدينة لأسباب جد معروفة أيضا ، طبعاُ الاجتماع المهزلة كرَّس نوعية تقسيم المجتمع القصري الواحد بكيفية مشينة مرفوضة تماماً ، ممن هم ادري بالأهداف المقصود وصولها وبأي طريقة ، على غرار سواها الذاهبة في أبعادها إلى إلصاق التهم المجانية على بشاعتها بالقصر الكبير ليس إلا . الاجتماع الذي قاده السيد العرائشي رئيس دائرة مولاي علي بوغالب كان افضل بمراحل من الاجتماع الذي دبر شانه عامل / محافظ الإقليم في نفس المدينة لاعتبارات موضوعية ومنها :

اولا : مصداقية التعبير عن الراي الصادر عن رؤساء الجمعيات المحلية  المدعوة رسمياً لهذا اللقاء ، المندرج في خانة سماها الرئيس العرائشي " الإصغاء لكلام الحاضرين في الموضوع" ، ومدى تحمسهم للمشاركة طوعياً في كل تنفيذ لاقتراح وجيه ، حظي بأغلبية قائمة الذات وليس الصادرة عن توافق مُرتَّب له مُسبقاً من أي جهة كانت .

ثانيا : التخاطب صراحة لوضع النقط على الحروف ، والامتثال للاحترام المتبادل الواجب توفره بين السلطة الحاضرة بما فيها ممثل رئيس الأمن الوطني المحلي والمواطنين عموما .

ثالثا : التمكُّن من وضع اليد على مكامن الخلل في مثل الاجتماعات ، غير المتكافئة الطرفين لانعدام الوعي العميق بالمفهوم الجديد للسلطة لدى البعض .

رابعا : إزاحة الستار عن اللوحة الافتراضية المُدَشَّن بها التعامل الند للند بين جميع مكوناىت المجتمع القصري ، بما في ذلك المتحملين منهم مسؤولية تمثيل الدولة ، كنظام يجمع المغاربة على قطعة ارضية واحدة موحدة اسمها المملكة المغربية القائمة على مبادئ وأسس دولة الحق والقانون .

خامسا : الإفصاح عن عدم جعل القصر الكبير بقرة حلوباً يمتص لبنها بلا حياء او موجب حق، بعض المتسترين وراء نفوذ مناصب وظائفهم ألمنعدمي الضمير ، بتصرفاتهم وأفعالهم مهما كانوا وكيفما كانوا.

سادسا : رفع الصوت بما يلزم من فروض أداب الحوار الرفيع المستوى المتحضر لأقصى حد ، من اجل إعادة الاعتبار لموطِنِ حفدة شهداء معركة وادي المخازن العظيمة ، ومَن حلَّ بينهم مقيماً ، بنفس الحقوق المتمتع بها حامل البطاقة الوطنية ، إذ كلنا مغاربة ونفتخر بمغربيتنا لآخر رمق في حياتنا .

سابعا : الكف عن تعامل عامل / محافظ الإقليم بأسلوب الأفضلية أو الإقصاء ، فكل رئيس لجمعية من الجمعيات في مدينة القصر الكبير كغيرها من المدن المغربية ، حاصلة على الوصل القانوني لمزاولة أي نشاط ، تتضمنه الأهداف المبينة في قانونها التنظيمي ، قد يؤدي دوراً أحسن مما يؤديه ذاك العامل / المحافظ عشر مرات ، وتوضيح الواضحات من المفضحات . طبعاً مَن جاء ممثلا للأمن الوطني محلياً في نفس اللقاء لم يكن في المستوى المطلوب ، ولم نستغرب الفاعل ما دام القصر الكبير مجرد محطة يحاول البعض الإقامة بها على أمل الانتقال لما اعتقدَه

الانفراج المنشود ، كأنَّ القصر الكبير مرتع حيوان خطير على حاضر ومستقبل أي انسان ، عوض أن يحضر ذاك الموظف بزي يثير تقدير مَن حوله وينتبه من يحتاج إلى تنبيه ، أنه آت حيث مَن يمثل النظام المغربي بركنه التنفيذي ، وعموده الفقري أبناء الشعب المغربي الفضلاء يرتدون ما يُظهر ان المقام محترم للغاية ، اكتفى بما يسلط عليه الأضواء بكونه قادم .من ورشة اصلاح قناة للوادي الحار ، وليته صمت عن الكلام ، بل فاه بما جرح شعورنا كقصريين لنا غيرة على مدينتنا لا يمكن تصورها ، حيث قال بالحرف الواحد : " جئت مِن مدينة كبيرة الى القصر الكبير التي تمثل بالنسبة لي مجرد حارة لا غير".

...رجل مَن يمثل رئيس الأمن الزطني محلياً ، يطل علينا من برجه العاجي ليصف (عن قناعة) مدينة لها مجالها الحضري ، متمتعة (المفروض) بحقوقها كجماعة حضرية ، بها مجلس بلذي وباشا و دائرتين برئيسين ومقاطعات إدارية ، يصفها بحارة ، الشيء الذي جعل كاتب هذا التقرير الصحفي مصطفى منيغ يجيبه قائلا :" "ومع ذلك فشِلت الشرطة التي تمثلها في استثباب الأمن داخلها وهي مجرد حارة كما وصفتها مقللا اهميتها محتقراً سكانها " . ليستطرد مخاطبا ايانا ذاكراً : "سأحدثكم بصفتي كمواطن ، ليعود مصطفى منيغ مقاطعا إياه :" وهل تتصور أننا جالسون معك في مقهى ، هذا اجتماع رسمي تمثل آنت فيه الشرطة بصورة رسمية ، الاجتماع يرأسه رئيس الدائرة المحترم وليس ببائع " الفول السوداني" ، وتحضره قائدة محترمة ، وليست بائعة البطاطيس المشوية في سوق سيدي بوحمد" ، وهنا اقترح أحد رؤساء الجمعيات على رئيس الدائرة تنظيم لقاء آخر مع رئيس مصلحة الأمن  الوطني محليا ، يظم رؤساء الجمعيات لمناقشة الموضوع الأمني ، تدخل من جديد ذاك الممثل للشرطة مصرحا: "سأرى إن كان له وقت حتى يجتمع بكم " . فخاطبه مصطفى منيغ العبد لله : "فلما لا تقول إن كان لنا نحن المجتمعون في هذه القاعة وقتاً نخصصه لرئيسك ذاك أصلاً.

مصطفى منيغ

سفير السلام العالمي

مدير مكتب المغرب لمنظمة الضمير العالمي لحقوق الإنسان في سيدني – أستراليا

الاثنين، 1 ديسمبر 2025

وادي المخازن وخلل الموازين / الجزء 18

 

وادي المخازن وخلل الموازين / الجزء 18

القصر الكبير : مصطفى منيغ

الحنين لِما وقَعَ ليس تأكيد لتجربةٍ وينتهي الانشغال ، بل ترسيخ ظل وسيظل محفوراً فوق البال ، حيث استوطن الأخير العقلَ الباطن أو سابحاً مع ميزة الفطنة الفطريَّة كحالةٍ من أي حال ، إذ ما تَمَّ خيراً أو سوءا مُنتهي تسجيله بكيفية وسرعة لن يدركهما العلم البشري مهما حاول ، مِن  المستحيلات فكّ التصاقهما بالخيال ، أكانوا أصحابه من الواعين أو الجُهَّال .

الحنين ميل لمن حسبه نَبْعَ راحةِ الارتياح ، من وخز ضمير حليف  صرصار في  فنِّ الإزعاجِ مدَّاح ، إن بدأ في ترديد لحنه المُنكر عن صُداعه المُضرِّ بالسمع لا ينزاح ، رغم دقة صغره يفوق ضجيجا عن كلب يعبِّر عن سغبه بالنَّبح .   

... البرتغاليون كلما سمعوا بالقصر الكبير ، تَحْمَرُّ وجوههم أو تَصْفًر ، وتنسابهم قشعريرة اكتسبوها بالوراثة الثقافية أباً عن جد ، وهم يستحضرون نهاية دولتهم ، التي قادها الملك سان سبستيان للهاوية والتفتت وفقدان قواعد الإمبراطورية ، الجاعلة منها (ذاك الوقت) القوة العُظمى التي يُضرَب لها ألف حساب ، جاعلين من مدينة القصر الكبير ، رمز ذكرى أحزن من الحزن وأمر من العلقم ، الغير

المستساغ طعمها ولو في سياق أي حديث ، لم أسمع بهذا بل عشته شخصياً في أواسط السبعينيات من القرن الماضي ، حينما قمتُ بزيارةٍ لمدينة "الفارو" البرتغالية عاصمة "الغربي" ، بدعوة من السيدة "تيريزا" التي سبق أن تعرفتُ عليها في مدينة بروكسيل البلجيكية ، أثناء اقامتى المطولة بها ، وكانت مهاجرة باحثة عن مستقبلها في تلك الديار الكفيلة باستقبال الآجانب وأغلبهم من المغرب واسبانيا والبرتغال ، بل واعطاؤهم الفرصة لتكوين أنفسهم في جو من الاطمئنان الاقتصادي ، وحرية إبداء الرأي ، والتمتع بكل مميزات حقوق الإنسان المشروعة دون تفضيل بين لون بشرة أو جنس أو عقيدة ، حضرت لقلب أوربا ، وحيدة لا تملك إلا ارادة قوية وإصرار على ضمان ما يؤهلها لتكون كما ارادت أن تكون ، أنثى مستقلة في اتخاذ قراراتها المصيرية دون رقيب أو حسيب ، كنتُ جالساً في ركن من مقهى محطة "ميدي" للسكك الحديدية ، مفكراً في الانتقال لقضاء يومي السبت والاحد في مدينة "أوطريخت" الهولندية ، وبدون مقدمات رأيتها تمد يدها لمصافحتي ، ولتجلس بجواري ، وتحدثني بإسبانية ركيكة نوعاً ما ، واطلع على ما توجهت صوبي ناشدة مساعدتي ، مدعية في محاولتها إقناعي ، أنها تمعنت في ملامح وجهي ليتأكد لها أنني من المغرب ، وأهل المغرب لهم في وجدانها مكانة خاصة لسبب وعدتني أن تبلغني بتفصيله في وقت لاحق لطول موضوعه ، رحبتُ بها وعرضتُ عليها المساعدة قدر الإمكان ، وفي مقدمة ذلك استضافتها في بيتي ريتما تعثر على مكان تستقر فيه . مرت الايام و معاً على أتمِّ وِفاق ، إلى أن حلَّت ساعة الفراق ، بانتقالي للعيش في المملكة الهولندية ، لتبقى العلاقة الطيبة قائمة بيننا ألى أن عادت لمدينتها الأصلية "فارو" لتدير مشروعاً أقامته هناك يخصها ، وتوجه لي دعوة لزيارتها فلبيتُ الدعوة ، وفي تلك المدينة البرتغالية الجميلة ، وبينما نحن نتجول في شارع(Gomes Rua Dom Francisco) أوقفنا أحد أقاربها ولم يكتف بسماع اسمي ، بل طالب معرفة المدينة التي انتسب اليها ، وما أن نطقَت بالقصر الكبير ، حتى اصفرَّ وجهه وانسحب دون وداع أو استئذان ، وأمام استغرابي أقنعتني العزيزة "تيريزا" أن معركة وادي المخازن وارتباطها بتلك المدينة المغربية يجعل بعض المتعصبين من البرتغاليين ، يتذكرون بنوع من الأسى والأسف ، وأحيانا بغضب شديد ، ما آلت إليه الأمور هناك ، بقتل ألاف البرتغاليين واسر الآلاف منهم ، وقد أثر ذلك على المجتمع البرتغالي (ساعتئذ) بشكل لا يوصف ، حيث انتقلت البرتغال  من مكانة الصدارة ألي حضيض احتلالها من لدن اسبانيا ، وما يعني ذاك الاحتلال من ألم مضاف لهزيمتها النكراء بالمتسلط عليها قهرا ومذلةً وتعسفا ، وأشياء تقشعر منها الأبدان . قلتُ لها : مدينة القصر الكبير كانت في وضعية الدفاع عن النفس اتجاه معتدي جرَّ من ورائه جيشا جرَّاراً ، بنية القضاء المبرم على شعب آمن ، بل ومسح عقيدة الإسلام من ارض لا عيش لها بدونه أصلا ، وما جزاء المعتدي إلا ما لقيه الملك البرتغالي ومَن معه ، مِن الخونة الطامع أحدهم في بيع أبناء جلدته ليحظى بكرسي الحكم ، فكان مصيره ليس الغرق في في وادي المخازن وحسب ، بل إفراغ جسده من الأحشاء وملئه بالتبن ، ليُعرض عبرة لمن قد تسول له نفسه خيانة وطنه ، ليُلَقَّب من ساعتها بالملك المسلوخ .  

 مصطفى منيغ

سفير السلام العالمي

مدير مكتب المغرب لمنظمة الضمير العالمي لحقوق الإنسان في سيدني – أستراليا

الأحد، 30 نوفمبر 2025

وادي المخازن وخلل الموازين / الجزء 17

 

وادي المخازن وخلل الموازين / الجزء 17

القصر الكبير : مصطفى منيغ

الحنين رحيلٌ اختياري مضمون الرجوع منه ، بعد سياحة عاقلٍ تضمَّنت مكنونات ذاكرته ، المستقرة ليوم معلوم في خليات من خلايا مخّه . رحيل منفرد يستغرق لَمْحَ بصر أو لساعات حسب قدرته ، على التخيُّل بأمر رغبته ، فالصالحات من الأعمال السابقة مدعاة لاسترجاع نتائج مواقفه ، العفوية قبل المُقرَّر في شأنها كيفية التصرَّف تتطلَّب الإقبال (بين الحين والآخر)  استجاباً لمتعته ، أما الطالحات المُرتكًبًة عن طاعة الشيطان واتباع المشينة مِن إغواءِ مُصَدِّقِيه ، يُحاول تجنبها ما دام استقراء المُدوَّن منها حركةً وصوتاً وصورهً تعكير لمزاج ذهنه ، وتشويش على استقرار ما تَبَقَى من حياته .

الحنين صدى حرمان يستردُّهُ عاشق ما كان لينسَى درب "الربيع" حيث كانت السعادة تمشي على أرضه مشية أنثى ريفية مِن خشيتها رقباء أبيها يدها ترتعش وهي تصافح مَن عاهدته على الوصال لآخر العمر ، لكن القدر أبى أن يكون الفراق بينها وذاك الرجاء المِفْصَل التارك في نفسيتها جرحاً ينزف حُباً لذاك الفتى الجميل الطَّلْعَةِ الوَقور .   

... هل مدينة القصر الكبير أخذت نصيبها من الفوز الذي حققته معركة وادي المخازن ؟؟؟ ، لو كان الأمر كذلك لتطورَّ ذاك الحق لتُصبح شبيهة (من حيث العمرا ن ومجالات منها الاقتصاد) بمدن مراكش وفاس ومكناس ووجدة ، ولَما جاء بعد قرون خمسة أحد القصريين واسمه مصطفى منيغ لينشر يوم الأربعاء 30  أبريل سنة 2014  في جريدة "الأمل المغربية" العدد 54 رسالة مفتوحة موجهة الي وزير الداخلية ، عنوانها "القصر الكبير في خطر ، ولكم واسع النظر" جاء فيها حرفيا ما يلي :

" معالي الوزير المحترم ، السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ، وبعد:

... تَنْهَارَ أمامَ أعيننا ، بسبب المسؤولين فيها علينا ، حتى الجمادَ فيها  من طول صمتنا عما جرى ولا زال تَجمَّد ، لأمورٍ من قريب أو بعيد تعنينا ، حالها كمآلنا يفقِرنا ولا يغنينا ، بل قذفَ حلمنا  بالحاضرِ في متاهات التهميس والإقصاء والتحقير الي مستقبل يفنينا ، فلم يعد "مصاصو" الرحيق يطيقوننا ، ولا "إرهابيو" بعض الادارات يستحملوننا ، ما دمنا عقلاء  نعشق الحق والقانون ،  في دولة جذور تربتها تجمعنا ، ومنابع مياهها المنسابة من جوف الجبال تروينا ، وخير حقولنا "اللكوسية" المعطاء الغناء بعناية الرحمان الباري الحي القيوم ذي الجلال والإكرام  على قيد الحياة يبقينا .

معالي الوزير المحترم : كشقائق النعمان بين السنابل مزهواً بما يبثه في الناظرين من جمال ، كالحُسنِ ذاته نقشته الطبيعة وروداً أرجوانية اللون بين سفوح الجبال ، كالنقاء الممزوج بحمرة حياءٍ في وجنتي عذراء تُزَفُّ لمن تمنته في الخيال ، كالحب الملموس حسياً عن غير ميعاد يلقيانه حرائر النساء كالفضلاء من الرجال ، كالنسمة العطرة بما يتصاعد عن نجوم الأرضِ الكاسحة الروابي والفجوات والهضاب كالسهول ، النابع منها ما هو على النِّتاج الطيب أسهل ، نرى " كقصريين" مدينة القصر الكبير مذ كنا الى ما شاء الله . فتأتي جماعة لتزيح منا ما نحبه في هذه الأرض ، وليتها استطاعت بما يبقيها وينسفنا ، بل جَرَّها اليأس منا لمرحلة لا يقدم عليها سوى المملوءة قلوبهم حقدا على الإسلام ، الكارهين أولياء الله الصالحين الراغبين في صنع الفتن ، على مقياس عقولهم المبارك ما فيها  من لدن اللعين الشيطان ، جماعة لا يدرك البعض منها خطورة صنيعها حينما تركت اسم الله جل جلاله يُعْبَثُ به حيال مرآها  ومسمعها كانها ليست من مجلس بلدي واجبه يقضي الالتزام بأخلاقيات المسلمين أولا ، والسير وفق ما تعنيه إمارة المؤمنين في المغرب ثانيا ، وبالتالي المشي بأدب وسط قصريين لا يملكون غير شرف التضحية لتُصان مقدساتهم ولا شيء في الكون عندهم يعلو قداسة اسم الله .

لقد بلغ الاستهتار بشعور القصريين حداً ، من الجبن والعار السكوت عليه ، أقدَمَ من أقدم على تضييق ممرات أهم الشوارع المعروفة كمركز ، في هندسة عجيبة غريبة لن يجدها أي ملاحظ يهتم بتطوُّرِ المدن وتوسيعها لاستيعاب التقدم والنماء لا شرقا ولا غربا ، فقلنا لا بأس ، تصرف من تصرف في شان هيكلة المدينة التي خصصت لها الدولة ما خصصت فاتت كتزيين هيكل عظمي لشيء مات من زمان ، وقلنا أيضا لا بأس ، وأشياء وأمور وقلنا في جميعها  لا بأس ، لكن حينما يصل الأمر الإساءة لاسم الله ، فلسنا مجوساً حتى نحسبها بلغة "لا بأس" ، بل تَشخَّصَ البأس ذاته يُوبِّخ فينا الضمير عسانا نستشعر المؤامرة الدنيئة  الجديدة المحاكة ضد كل من وَحَّدَ الله وآمن بتعاليمه السمحة الهادي بها حبيبه ورسوله مولانا وسيدنا محمد عليه الصلاة والسلام أمة الإسلام في القصر الكبير كما في المغرب كما في مشارق الأرض ومغاربها ، مؤامرة تقربنا كقصريين لِنُسْحَقَ في كرامة عقيدتنا ، فنطيع مَن يشتري ويبيع فينا ، بل يمتطي ظهورنا ، بما يمده في أيدينا من "إكراميات" حسب هواه ليحصد ما شاء من مغانم والجميع كالدواب ينتظرون أوان ذبحهم على التوالي ، لكنها أوهام ممعود القضاء عليها قد يأتي بها موعد محدود ، بتدخّل مَن حُكمُهُ العادل على هذا الوطن يسود  ، فمن كان السيد بالتزوير والتحايل لعبد حقير يعود ، ومَن كان مسلوب الإرادة عن ظلم وجور حراً يصبح بالحسنى والجدية والمعروف نفوذه كمسؤول لإصلاح ممدود .

باشا المدينة كان عليه التدخل بإشعار رؤسائه بحكم انه مسلم ، ورئيسه العامل / المحافظ من المسلمين ، فهل قصَّر ام عمله يقتصر على توقيع ما يصله من موظفين أصبحوا امام ما تحياه تلك البناية من مظاهر أول من يعاني وللآخِرِ مَن يتحمَّلون الأعباء لأنهم من القصريين , و الأخير فيهم على حب دائم لمدينته .

 أليست وزارة الداخلية وصية على المجالس المحلية ومنها المجلس البلدي لمدينة القصر الكبير ؟؟؟ ، ومَن يمثل الوصي في ذات المدينة  أليس الباشا ؟؟؟ ، هذا إن كانت الأمور عادية ، أما حينما يتعلق الأمر بأقدس المقدسات فليس هناك قدرة لأي كان على مسايرة مَن عمدوا على الإساءة لها ، السيد العامل / المحافظ ، في آخر لقاء لي معه قلتُ له : مدير ديوانك هذا نعتبره قنصلاً للقصريين عندك .  ابتسم وسألني : ولما لا تجعلونه سفيراً ؟ . أجبته : لتكون الترقية من طرفك وليس منا . فلِما لم يبلغ مدير الديوان هذا ولي نعمته العامل / المحافظ "نبيل الخروبي"، بان هناك بجانب جدار ضريح ولي صالح اسمه سيدي بوحمد ، تجسيم لاسم الجلالة الله يتعرض لما استحيي شخصياُ من ذكر تفاصيله لأنها تفوق الحقارة بتحقير احقر ، لا يصدر إلا عمن يبثُّ إشارات تمس إمارة المؤمنين ، وتستدعي التدخل الحازم والصارم لحامي الملة والدين ، المسألة تقضي وضع النقط على الحروف ، ولا يهمنا إلا التأكيد أن مدينة القصر الكبير التي حمت الإسلام من مهاجمي أوربا الصليبية بقيادة البرتغال التي كانت من الدول العظمى بشهادة ذاك التاريخ ، ، وانتصرت بل أمدت بما لا زال العالم الإسلامي يذكره للمدينة  خيرا ، ستطل القصر الكبير محافظة على دينها مهما كانت الأحوال ، وكيفما كانت الأهوال ، الموجهة لأبنائها . الذي لا يحترم الإسلام في القصر الكبير لا يحترم أسس البَيْعَةِ ، ليكون هذا واضحا أقوله وأمري لله لأصل إلي تنبيه  مَن يعلم ويوهم الآخرين انه لم يكن يعلم ، ان وظيفة العامل / المحافظ تقتضي إشعار الآخرين مَن هم أكبر مسؤولية منه ، أو أن يقضي على الخطأ في المهد ، باتخاذ ما هو مخول بحكم القانون اتخاذه ، علماً أن نومه على فراش من عسل ، وابعاد عينيه عن إفرازات البصل ، والحرص على موعد انصرافه بالثانية إذ وصل ، ولَّى  ولم يعد ملحق ببهرجة مستوى الموقع كاسمي سلطة  في الإقليم ، ويتذكر أن في محيط نفوذه يُعْبَثُ باسم الله والشمس ساطعة ، ومَن تحت إمرته تصلهم " اللهم هذا منكر" جهراً مُذاعة بتزايد في الانتشار  ، ولك معالي وزير الداخلية واسع النظر".  

 مصطفى منيغ

سفير السلام العالمي

مدير مكتب المغرب لمنظمة الضمير العالمي لحقوق الإنسان في سيدني – أستراليا

الخميس، 27 نوفمبر 2025

من تللسقف / العراق


 

من بيروت تايمز / كندا


 

من الزمان المصري / جمهورية مصر العربية

 


وادي المخازن وخلل الموازين / الجزء 16

 

وادي المخازن وخلل الموازين / الجزء 16

القصر الكبير : مصطفى منيغ

الحنين تدريب عن تساهلٍ في اجراء التكرار المباشر عن مقاربة مُساءلة المتواصل بمعية ما مَضَى من حياته في الدنيا لحظة بلحظة دون إضافة أو نُقصان ، ليكون مُدرِكاً لقيمة الجزاء وفحواه إن تلقاه خيراً مُستحَقاً مُفرِح الشكل والمقامِ أو شراً موازياً لمجموع الخطايا المُرتكبة عن قصد أو غيره أضرَّت مَن حوله مُتقاسِماً معهم المكان ، بحضور مُؤكّد (كشاهد اتبات ذاك الممزوج مع كل حركة ظاهرة أو ملفوفة بعدم الظهور من نوايا صاحبها ظلت معلقة بعدم الفعل) ذاك الزمان . عنصر لا يفارق المُقترف وليس لتبرير ما وقع إبان الوقوع مهما تناثرت جزئيات الأسباب هو جامعها لوظيفة مُقدَّرة عليه من لدن خالق الموجودات كالأكوان ، ذاك العامل المرسوم على وجوه بني آدم تجاعيد مهما استُؤْصِلت بعمليات التجميل تعود للإنبعاث ثانية وتيك طبيعة لا يمكن تغييرها بل تزكي أخطاء المعنيين بها القاصدين إدامة اشراقة طراوة الشباب اتجاه مختلف العِيان . الحنين قبس من معجزة تصاحب الإنسان ما عاش فاتح بخياله نافذة يتفرج منها على مخزون ذاكرته من لحظة تعقله لأخر نفس يستنشقه في الفانية عالما بما رأي إن كان من الفائزين أم مطوَّق من أي جهو بالخسران . الحنين جانب من فرصة يفلت منها من لازال يطمح في توبة تبعده عما ارتكب غبر لائق بما ارتكبه وهو صالح وإن كان المنقوش على صفحة من ماصيه لا يكتنفه النسيان . الحنين نعمة لو أدى الملتجئ اليه ما إن تذكَّر بواسطته مترجما لانعكاس ما حصل فعلا أن لعمره محطات للشياب فيها أقصر توقف وللكهولة داخلها قاعة انتظار للإنتقال لمصير مكتوب يُخلِّده مُنعما أو يبقيه معذبا والشأن الفصل في ذلك للحاكم عباده سبحانه العزيز الرحمان .

... مدينة القصر الكبير تَوَالَى على مسك زمام الأمور فيها محلياً وإقليمياً ، أصناف من مسؤولين جلهم ساهموا في تكديس التهميس فيها ، المضاف على الحجم الرهيب المتروك بين جنباتها ،  كي لا تُقام لها أي مرتبة في احتضان روث المفاسد سنة بعد أخرى ، على السّلم المعكوس ، بدل الصعود مهيَّأ بفعل فاعل  للهبوط صوب الهاوية ، قبل إحداث العمالة بالناحية فضلت الإدارة المركزية مدينة العرائش على القصر الكبير لتكون مقراً رسمياَ لها ، تقبَّلَ القصريون ذلك لانعدام أي مقرَّب  منها للحكم آنذاك في مقدوره التأثير على فرض ما تستحقه عاصمة المجاهدين القصر الكبير ، من تنفيذ أي مخطَّط يعينها على الإقلاع التنموي ، ولها من المؤهلات الفلاحية والأطر المٌكوَّنة ما يكفي لضبط شروط التدبير الحسن ، وصولا لمبتغى الأهالي وطموحاتهم للعيش والجل متوفر لديهم . ولقد جمعتني والعامل (المحافظ) مولودي بوسيف ، (الذي كانت تربطني واياه معرفة سابقة حينما كنت أعمل باذاعة وجدة الجهوية مشرفا على عدة برامج موجهة لحكام الجزائر برئاسة الراحل الهواؤي بومدين ، وبوسيف كان عاملآ(محافظا) لاول مرة على  إقليم (محافظة) "فكيك") ، لقاءات متعددة ما كنت أترك أي فرصة دون التطرق لحق المدينة القصر الكبير من ميزانيات التجهير المخصصة للإقليم ، وكل مرة كان يواجهني بأولويات أُمِر باتباعها من وزير الداخلية الراحل  إدريس البصري شخصياً ، وهناك أدركت أنني اصب الماء في الرمال ، الأمر محبوك بعناية ولا مفر من تحمل تلك المدينة تضحيات جسام ، من أجل صالح العرائش ، وما هو مقرر من صرف ميزانيات لا بأس بها عنها ، ومسؤولية ذلك تقع على رغبة عليا من حكام مركزيين مصابين بعقدة الخوف من القصر الكبير فاتجهوا للإبتعاد عنها لاجل غبر مسمى . ربما كنتُ من القليلين المطلعين عن الأسباب ، فضمتني قائمة المفروض محاربتهم ، ولولا ثقتي في النقس وإيماني العميق أن الحي القيوم العزيز الجبار ناصر المظلومين مثلي الذين حاولوا الدفاع عن مدينة القصر الكبير بسلاح وحيد "القلم"، ولطالما وجدت نفسي أمام خيارين الحصول على درجة تنفيذية وراتب شهري محترم ، أم ارافق القصر الكبير بما سُلِّط عليها من تهميش ، ففصلت البقاء "قصرياً" شريفاً لا أطأطئ رأسي لا حد مهما كان ،

مصطفى منيغ

سفير السلام العالمي

مدير مكتب المغرب لمنظمة الضمير العالمي لحقوق الإنسان في سيدني – أستراليا

وادي المخازن وخلل الموازين / الجزء 15

 


وادي المخازن وخلل الموازين / الجزء 15

القصر الكبير : مصطفى منيغ

الحنين صندوق مكاسبِ الملتجئ إليه المملوء بما فيه الغير قابل للتصرُّف فقط الاطلاع على محتوياته وقتما يُريد ، بلا صاحب أو قريب يتمكن من الإطلاع عن أي شيء داخله إذ حق ذلك  مربوط به كوحيد ، المسؤول عن حراسته سراُ بالحديث بينه و نفسه  وعما حًدث في ذهنه يُعيد  ثم يعيد أو علناً ليستفيد ، ظناً أن الارتقاء يحتاج لما مضى مِن حياته يشهد عن بسالةٍ صارع بها مَن صارع ليستحق عن جدارة المكانة التي ينشدها وهو بجرأته تلك جد سعيد . الحنين جدوَل سائله وقائع مُسَبِّبها مَن طَرَقَ موقعه المختفي الظاهر فقط للخيال ليروي ظمأ ذكرياته بما كان ساعتها سابحاً وسط سخاء الدنيا لتضحك عليه حينما رمته بنَوْرِ زَهْرٍ وجوههن مِن لمعان القمر وخصلات شعرهن متحالفات مع سواد ليالي السهر بأجْر يتلقينه مهما غلا يحسبنه زهيد ، بالنسبة لمحتكر أسواق طعام الكادحين الشارب عرق الفقراء الجاعل مِن كل أيام السنة عيداً وراء عيد ، إلى أن أصيب بسقم حار أطباء العالم في تشخيصه إلا مَن خَسِر نضاله المجيد .

.. القصريون جميعهم "وطنيون" ، ولا يجوز اختزال ذات التعريف على البعض منهم دون الآخرين ، كما يقومون بذلك بعض المُعَيِّنِين أنفسهم مؤرخين للمدينة ، أما بصيغة المفرد كل واحد منهم "وطني" (بكسر ما قبل ياء الكلمة والتشديد على الأخيرة) بمعني منتسبٍ بحكم ياء النَّسَبِ لُغُوِياً لوطن ، دون خلق مبررات تفضيلية اقتضتها سياسة حزبية ما لاكتساب تأييدٍ لأهدافها . أما "المقاومون" فذاك شأن آخر ، الحديث عنهم صُبِغ (أحياناً) بلغة المصلحة الرسمية ، لتظهر أسماء عادية ، وتختفي أخرى أساسية ، ومع ذلك الموضوع ظل مخزونا بأمانة وصدق في صدور البعض من جيل المدرسة الأهلية الحسنية (وأنا منه) المترعرعون وسط مجتمعٍ ، الأسرار متداولة بين أسرٍ متضامنة ، مستعدة كانت للتعامل مع المقاومة والمقاومين بمسؤولية تزيدها شرفاً على شرف ، وبذلك الأسماء كانت متلألئة بينها ، كنجوم تضيء أمل تخلص القصريين من دياجير ليل الاحتلال الاسباني ، جلهم من الفقراء ما لهم إلا قوت يومهم المحصلين عليه بالعمل الشاق ، والخوف على فلذات كبدهم ، كما يدل على ذلك أجسادهم النحيفة والمهلهل ما يرتادونه ، والبيوت المتواضعة التي كانت تحميهم من صقيع الشتاء ووهج الصيف ، ما ضمتهم لائحة الأعيان ، ولا اشرأبَّت حولهم أعناق المتوسلين الوساطة لمنفعة ما موجودة بين يد المحتلين كرخصة ، عدلتُ عن ذكر الأسماء (مؤقتاً) وقد تذكرتُ نصيحة صديقي المحترم محمد الهردوز الفنان التشكيلي وعامل (محافظ) إقليم (محافظة) طاطا سابقاً ، بعدما قرأ باهتمام بالغ ما نشرته إتباعا عن رجال المقاومة والتحرير في مدينة الخميسات كمحور لما بعدها ، والعلاقة القائمة كانت  بينهم وزملاءهم في الكفاح المًسلح مِن القصريين المشهود لهم بالصبر والوفاء وكثمان السر ، وقد أطلعني على أسماء وأعمال هؤلاء الشرفاء  طليعة الأمجاد والسؤدد ، صديقي العزيز عبد القادر المِيخْ وهو من قادة المجاهدين العظماء الكبار ، ومنهم بلميلودي وغيره ، خلال جلسات مطولة معه بنفس المدينة ، لتدوين أسرار ظلَّت معظمها في طي الكتمان حتى ينعم بعض الخونة بما أُسنِدَت لهم من مناصب هامة بعد الاستقلال ، نصيحة الهردوز لي تلخصت في عدم خوض التعمُّق في نفس الموضوع الشائك الذي يحتاج لجهد استثنائي ، ووقت قد يؤثر إن اخترتُ صرفه في الموضوع ، سأجد نفسي أمام العديد من نقط ، كل منها لها مختلف الطرق والاتجاهات ، لكن بالنظر لواقع الحال الذي بناه أو ساهم بطريقة ما في بنائه  خدمة  لمصالح آخرها ما آلت اليه الأمور لتجريد القصر الكبير من أعر ما لها هؤلاء الكرماء الذين جعلوا من معركة وادي المخازن مرجعا َضروريا للاستمرار على نفس الوتيرة ، الدفاع بسلاح التضحية لتمكين المدية من العيش مهما توالى عليها الزمن ، مرفوعة الرأس سيدة نفسها وعلى من يقلل من قيمتها مهما كان المجال ، بالنظر لهذا الحال من الواجب توعية الجيل الصاعد بجذور الصالحين والصالحات وما أكثرهم بالمدينة ، وبذور معالَجَة بتوجيه سلطوي متسلط طويل المدى ،  بما أهلهم لوصف يقربهم للطفيليات المزروعة لإنتاج صنف من الانبطاح ،  وهم قلقة قليلة مصيرهم الانقراض إنشاء السميع العليم .

مصطفى منيغ

سفير السلام العالمي

مدير مكتب المغرب لمنظمة الضمير العالمي لحقوق الإنسان في سيدني – أستراليا


وادي المخازن وخلل الموازين / الجزء 14

 

وادي المخازن وخلل الموازين / الجزء 14

القصر الكبير : مصطفى منيغ

الحنين اعتراف دون استنطاق عما حدث لمُهتَمٍّ من عشرات السنين او للحظة ماضية فقط ، تجعل منه سابحا في فضاء الفرح أو كلما تذكر أجزاء منها مع الحسرة والندم سقط ، لذا يتهرب ما تمكن لاسترجاع ما فات كليا أو جزئيا شاغلا فكره بما استطاع من أمور التقط ، وإن كانت تافهة المهم تأخذه ولو للسوداء كنقط ، تلهيه لحين عن ذاك الوسط ، حيث عاش زمن سيطرة نطام يتقن كل صنوف الشطط ، لمواجهة المناضلين بما يُسكت أصواتهم بما تنطق به مع جلودهم من صياط . في أيام حالكة اختلط فيها الطلم بالاستبداد فتولَّد عنهما الغضب الصامت وهو الأشد من العلني بأشواط . حيث فكَّر ذات النظام في ادخال أحرار مدينة مجاهدة داخل قدر تغلي فوق نار الحرمان ويحرك صمودهم الخرافي بأغرب مسواط  .

... اليهود في القصر الكبير وجدوا ما كان يهمهم من تعايش مثالي سلمي قائم على الاحترام المتبادل بينهم وأغلبية سكان المدينة من المسلمين ، بالرغم من انغلاقهم كشيمة ملتصقة بهم مذ كانوا ، إلا أنهم استأنسوا بانفتاح شمل زمرة منهم وهم يتعاطون بعض الحرف المفروض التعامل في اطارها مع الغير بنوع من التساكن القائم على مبادلة العلاقات الحميمية ومنها الزيارات العائلية والحضور في بعض المناسبات الخاصة بطقوس الديانة اليهودية الممارسة في ساحة سيدي بلعباس حيث تُحرق الشموع في ما يشبه ضريح يعج بالزوار من مختلف الأمصار لأهمية المدفون داخله  الحاخام ّيهودا الجبلي" ، بالتأكيد كان "الملاح " بحارة "الديوان" بمثابة القلعة التي عمدوا لجعلها مقر إقامتهم الجماعية ، مكونين داخلها وحدة بشرية متجانسة تتقاسم عادات وتقاليد عريقة ، وتهدف للإبقاء على وحدة تميزهم عن سواهم من سكان المدينة ، بالتكافل المنظم فيما بيننهم تجعلهم الأدرى بالمعوزين الفقراء منهم ، فيتكفلون برعاية أحوالهم ، وادماجهم للعيش في أمان من مد اليد . لهم مع جيل المدرسة الأهلية الحشنية بعض المواقف التي رسخن في داكرة البعض مواقف نبيلة ، ترسم بألوان زاهية لوحة تشير بمدى التلاحم الإنساني بين يهود تلك المرحلة ومدينة القصر الكبير تبني مستقبل أبنائها العلمي طوبة بعد طوبة ، حيث وُضعت مدرسة كانت خاصة ببنات اليهود لتقام فيها أول ثانوية عرفتها المدينة ، تأسست بفضل الأهالي واصرارهم على تعويض ما أهملته السلطات الحاكمة خلال مراحل لم يكن للقصر الكبير مكانة عندها لأسباب سابقة الذكر وما يأتي ذكرها في سياق نفس الموضوع لاحقا ، مؤسسة تعليمية قصرية مائه في المائة برامج وأطقم التدريس وما يحتاج استمرارها من ميزانيات مالية ، أول فوج التحق بها حُدد في ثماتين تلميذ وتلميذة ، عيِّن على رأسها مديراً الراحل مصطفى الشاوش المتحمل في نفس الوقت تلقين علوم الدين الاسلامي ، ومن أساتذتها المشهود لهم بالكفاءة الراحل العياشي الحمدوني والراحل عبد السلام طريبق والراحل أحمد السوسي وغيرهم من الأساتذة الأجلاء ، بإضافة أحد رجال دين اليهود المكلف كان بتعليم اللغة الفرنسية . من بين تلاميذ تلك المؤسسة القاعدة الأصيلة لانطلاق التعليم الثانوي بالقصر الكبير ، نتذكر في هذه العجالة : أسماء أحمد الرهوني ، السدراوي ، ادريس الطود ، عبد السلام السريفي ، أحمد بريطال ،  الزناكي ، أحمد الشاوي ، مصطفى منيغ ، المختار السباعي ، بوغالب الخلطي  ، أحمد المصباحي ، أحمد البناي ، عباس عدة ، فؤاد احسيسن ، الغالي العلوي ، محمد الرهوني ، السلاوي ، عبد السلام البقالي ، مصطفى الصفريوي ،  العربي العسري ، مصطفى طريبق ... الى آخر القائمة المتضمنة ثمانين من الطلبة مثلوا أمل القصر الكبير في عهده الجديد.

مصطفى منيغ

سفير السلام العالمي

مدير مكتب المغرب لمنظمة الضمير العالمي لحقوق الإنسان في سيدني – أستراليا

وادي المخازن وخلل الموازين / الجزء 13

 

وادي المخازن وخلل الموازين / الجزء 13

القصر الكبير : مصطفى مُنِيغْ

الحنين جولة في أسفارِ تاريخ مُسَطَّرٍ فوق أوراق ذاكرةٍ بغير حروف لأي لغة كانت  ، يَطرقُ محاسن مخلَّفاتها عقل رجلٍ لمباركة قرارات محمودة اتَّخذها ذات توقيت ،  إتباعاً لسنن حياةٍ تتطلَّب التعبير العملي عما يخطر على البال ويقضي ترجمته واقعاً عن مسؤولية يتحملها من تلك اللحظة / الحدث إلى يوم النشور ، فيتراءى له الناتج مدعاة للصواب الصائب ، والتفكير النقي لما تحقَّق مصاحب ، والافتخار المُغلَّف بنعمة السرور ، الباعث حماس شباب لاتباع نموذج إن تعمَّم فُرِضَ على الدولة مقياسا ، لخدمتها مصالح الشعب وليس طموحات قِلة ،  رافضة اقتسام خيرات الوطن مكتفية بالهيمنة اللامشروعة على تسعين في المائة لنفسها ، وما بقى  تَخُصُّ به صاحب الشأن في الأول والأخير الشعب لإسكاته بالقشور . الحنين يزحف اليه مَن يود امتحان ماضيه وإن كان محقاً في اخلاصه مناضلاً ، ذهب به عشقه لمدينةٍ علَّمته معنى الرجولة وقيمة التضحية من أجل تأييد مطالبها ، لتظل في شموخ َّ واقفة كحاضنة لمن فضلوا التمسك بالشرف ، وما نصح به السلف ، وصيانة العرض الغير قابل للتلف ، فكان مهما تقاذفته الأيام بين بعض دول المغرب العربي أو الشرق الأوسط أو اوربا أو أمريكا أو أستراليا ، حمل بين وجدانه ثلاثة ، الله جلَّ جلاله ، ولحدٍ ما تلك المدينة و المستحقة التقدير  المرحومة زوجته كما تضمَّن ذلك كتابه المنشور .

... تقبَّلت مدينة القصر الكبير الأمر الواقع على مضض، مُعتبرة إياه مرحلة وستذهب لحال سبيلها عن رضاها أو كُرْههاً ، ما دام محصول الحاصل ، تكوين الذين في حاجة إلى تكوين من شباب المدينة ، مهما كان المجال القائمة عليه المصلحة العامة ، والتدريب العام  لعموم العامة المباشر ، للتعاطي مع ثقافة تحترم توابث الغير ، وتزكِّي الوعي لدى هذا الغير ، بما يَحْدُث بعْدَ الضفَّة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط ، مِن انسجامٍ مع متطلبات العصر ، الفارض على نُظُمِ الحُكم الاهتمام الايجابي بحاجيات الشعوب ، وقيادَتِها للعيش كما يحلو لها ، تحت قوانين تنظيمية تعطي لفاقد الحق حقه ، في تلاحم مع طموحات جماعية ، تسعى لتوفير ما يساعد الأجيال المتلاحقة عبر الزمن ، عما يجعلها قادرة على الالتصاق بحب الوطن ، ما دام هذا الوطن متحمِّلاً عبر مؤسساته المختارة ديمقراطياً ، مسؤولية حمايتها والدفاع عن كرامتها وإنسانيتها ، مهما بلغت التحديات المعاندة مِن حدَّة . ولقد فطن المحتل الإسباني أثناء حكمه لشمال المغرب ، بذكاء القصريين وبكونهم ليسوا بالمادة الخام اللينة التي يسهل طيها تحت إرادته ، فعمد لوضعهم محل التعامل بندية ، أسفرت عن تأسيس توافق ساهم بالخروج والجميع شاعر بارتياح مبدئي بقرار ، أن مدينة القصر الكبير يجب أن تكون مانحة الدليل عن تعايش أنساني بين المحليين والمتقاطرين عليهم من مواطني اسبانيا أكانوا نساء كاشفات وجوههن أو رجالا مصاحبين عاداتهم . ولأول مرة يشهد الشارع المكوِّن لنواة المدينة ، مناظر شكَّلت تحوُّلاً متقدما لتعايش أنساني فاق كل التصورات ، بتجوُّل نساء إسبانيات مصبوغة بشرتهن بمزيج الأبيض مع الأرجواني ، لابسات ما يُعطي لجنسهن اللطيف أنوثة ترافقها الرِّقة ، وتظللها الأناقة ، وتتقدمها اللَّباقة ، ولا أحد يضايقهن لا من قريب أو بعيد ، ولم تمر فترة حتى تعوَّدت المدينة على سماع خبر عقد قران أحد القصريين باسبانية من الجزيرة الخضراء ، وتلك بداية لتعلق المحتل في اشخاصٍ منه ، في الذوبان ببيئة عثروا فيها على الهدوء الروحي والعيش معه ، طبيعة الحياة البعيدة عن صخب عُبَّاد المادة .

... مسألة العمود الفقري لكل تنمية فكرية ، بالنسبة للناشئة الممثَّل في التعليم ، تَحمَّلَ مسؤولية توفيره أهالي المدينة ، في تضامن وَفَّرَ ما يكفي لوضع لبناته الأولى بشقه العصري ، كمدرسة مختصَّة بتدريس المواد الدينية جنبا لدنب مع مواد أخرى ، كاللغة العربية والجغرافية والتاريخ ، ببرامج تلقِّن الأطفال ما يترعرعون معه وهم مدركون المعنى النبيل لحب الوطن ، والتفكير المتصاعد في تقوية آفاقه ، بما يجعله بين الأوطان طليعة الطليعة ، مُصان الجانب مسموع الكلمة مستقل في اتخاذ ما يناسبه من مواقف وقرارات ، وقبل تلك الخصال الحميدة من تربية محمودة ، التمكُّن من جعله دوماً مستقلاً غير خاضع لأية قيود أجنبية ، تنسيه ماضيه الحافل بالأمجاد النيِّرة ، فكانت المدرسة الأهلية الحسنيَّة  الكائنة متصلة بالجامع الكبير ، في زقاق وحيد المنفذ مُحتَرَم ممَّن يلجه للزيارة ، كمعلمة تضفي لما وصل اليه القصريون من عناية لتعليم ابنائهم ما يؤهلهم مواكبة متطلبات المستقبل ، من عقول مشحونة بعلم نافع ، يدير ما يأتي به المستقبل مِن وسائل تحتاج مَن يحركها ، وينتج من ورائها مغانم الرقي والازدهار ، فكانت المدرسة المذكورة  أول خطوة صوب افراز جيل عرفته مدينة القصر الكبير كواجهة عرفان ، ساد كل الميادين مستمرة في اشعاع مدخرات كنوزها المتحركة مع تعاقب الأعوام  كعقولٍ لرجال ونساء ، محافظة على خصوصيات القصر الكبير وهويتها المميَّزة الدائمة الحضور ليوم النشور . والمدرسة تعني هؤلاء المدرسين الأجلاء ، الذين قبلوا للإشتغال بالقليل لينعموا بالكثير من حب الناس وتقديرهم ، وفي ذلك ثروة تفوق قيمتها قيمة المال مهما بلغ ، وعلى رأسهم الفقيه "المتْني" والفقيه "الهاشمي" والأستاذ عبد المالك السفياني الموظف آنذاك ببلدية القصر الكبير إبان الاحتلال الاسباني . 

مصطفى منيغ

سفير السلام العالمي

مدير مكتب المغرب لمنظمة الضمير العالمي لحقوق الإنسان في سيدني – أستراليا

وادي المخازن وخلل الموازين / الجزء 12

 

وادي المخازن وخلل الموازين / الجزء 12

القصر الكبير : مصطفى منيغ

الحنين وسيلة لاستحضار ما مَضَى من ماضِي امرأةٍ أقامَها الجمال أثناء ربيع العمر في قصر الرَّغبة الطائشة المُهْدَى لها كلاماً كلما صادفت في الطريق عيني ذئب يفضحه اللعاب المُسال من بين أنيابه تلمع استعداداً للقفز من مكانيهما لتقبيل رسمِ خطواتها من باب البيت الى المكان القاصدة إيَّاه قَصُرَ أم بَعُدَ عنوانه ، وقد أعادها خريف أيامها لكوخٍ ورثته ممَّن أوقعها في شباك أكاذيبه فأسقطها من نجمة سابحة في فضاء الحُسنِ إلى خادمة لإسعاد الآخرين واختلاس عرقها ليتجرَّعه صَهْبَاء ابن هانِئ ويتمادى في مجونه . الحنين لما وراء الزمن دون خلسة أو تحايل للوقوف على تهوُّر إنسانة حسبتها لحظة ثورة على الفقر والاحتياج حَلاً لاقتسام السعادة مع صاحب ثروة وإن كان مذموم الأفعال الحاصل بها على المال كمتاجر في المخدرات وله من ريعها على نطاق واسع أوكار متعة لاصطياد وتوريط المتعاونين معه من رجال سلطة تديرها مَن اختارته بَعْلاً فشاركها في ترويج سمومه ، لتجد نفسها مدمنة على شم "البيضاء" منها لتُصاب في عقلها وتسكن مستشفى الأمراض العقلية  أما رفيقها في الويل مقذوف (تؤنسه المآسي والأحزان وحسرة فقدان كل شيء) في زنزانة حبسه . الحنين فتاة ريفية صالحة اتجهت اليه عن شوق وألم لمشاهدة خطواتها الأولى على طريق حبها البريء الطاهر لشاب مثَّلَ (منذ لقائهما عن غير موعد) فتى أحلامها الورديَّة فبادلها نفس الشعور وتعاهدا على الوفاء والإخلاص وفي اليوم الذي عاد فيه من تطوان حيث اجتاز امتحان الباكلوريا رأى جوقة نحاسية يقودها صديقه الحميم عبد القادر ولما اراد مرافقته لاحظ منه نفورا ومعارضة على غير عادته في مناسبات سابقة مشابهة بالحالية فأصرَّ على المرافقة الى أن وصلت الجوقة تلك لدار حبيبته ومن حوله أصدقاء يبكون من التأثُّر إذ بالداخل أطلَّت موجهة الكلام اليه  صارخة أمام الجميع : زوجوني بصديقٍ لك لانك فقير وهو غني بثروة عائلته .

... القصر الكبير رغم تعرُّضها لمحنٍ جسام لم تتزحزح عن قيمها الأصيلة المتحضرة ، رامية وراء ظهرها تعنُّت بيادق عُيِّنوا لمراقبة حتى أنفاس نخبة من طليعة سكانها ، تاركة إياهم يتمرغون في غباوة صنيعهم الى أن التقفهم الاحتلال الاسباني ومكَّنهم من مناصب فضحت ما دأبوا على ارتكابه من مدة لتسهيل ولوج غرباء للمدينة ، في ظروف مشحونة بالقلق والتوتر والغضب من جو وصلَ بُعْده السلبي للمدينة المجاهدة مِن داخل المغرب ، حينما تهاون مَن بأيديهم زمام الأمور ، ومنها الدفاع عن الوطن مهما كان المانع . وما أن أطلَّ الاحتلال الاسباني على القصر الكبير حتى  أحسَّ الجميع بحجم الكارثة ، التي سبَّب فى حصولها حُكام العاصمة الرباط ، فما كان عليها الا انتظار ما تخفيه الايام المقبلة من مفاجآت أكانت خيرا أو سوءا. وحتى يجتاز المُحتَل مرحلة الحذر والخوف من انتقام الأهالي للتخلُّص من تلك الوضعية المُقيَّدة لحريتهم المعهودة ، التجأ الإسبان لخلق مناصب شغل عن طريق انجاز مشاريع عمرانية ضخمة ، مكَّنت مدينة القصر الكبير من استرجاع حلة ريادتها الحضرية ، والظهور بما يقربها للمدن المتكاملة المرافق المنظمة عبر ميادين تدنو كل يوم للتقدم والازدهار بأقوى الوسائل وأقومها على التغيير نحو الأفضل في جو من الاستقرار النسبي ، المُتحمِّل كل مشارك في ندبير الشأن العام مسؤوليته مُتجنباً الشطط أو الاستفزاز ، مما ترتب عن الفاعل ارتياح مبني على نظرة دكاء القصريين البعيدة ، ومضمونها التعلُّم واكتساب التجربة وامتلاك مقومات الدفاع عن النفس متى حلَّت المناسبة ، مما أتاح الفرصة حتى للإسبان للزيادة في تشييد معالم لعبت دورا كبيراً في طمأنة المعنيين أصحاب الأرض بكون الوجود الإسباني من أهدافه خدمة المدينة وسكانها ، خدمة لاستعادة الأمجاد المكتسبة ، المسلسل الحديث عنها في المدوَّن من كتب الإغريق  والرومان ، وهكذا شرعَ المحتل في بناء القاعدة العسكرية الأضخم بحي "باريو حارة" المهيأة لاستيعاب الجيوش الاسبانية المستقرة داخلها بما لهم فيها من منشآت سكنية وكأنها مدينة مصغرة مكتفية ذاتيا ، والغرض حماية المساحة الترابية المحتلة من طرف اسبانيا ، وأيضا البداية  في وضع البنيات التحتية لتشمل شطري "باب الوادي" و"الشريعة" معا ،  وبتصاميم وإشراف المهندسين العسكريين  تم انجاز وبناء محطة السكك الحديدية الرابطة طنجة بالرياط والمتضمنة أيضا الخط الواصل القصر الكبير بمدينة العرائش ، مع تشييد جسر "الكرمة" بين ضفتي نهر "اللوكوس" ، وفتح طرق على النمط المواكب ذاك العصر بين المدينة والواقع في المحيط المحتل من مدن وبعض القرى ومنها "تَطاَفْتْ" و"جَهْجُوكَة "و"القُلَّة" ، وبناء المستشفى المدني ، والمجزرة ، والقيام بالأشغال الكبرى المخصصة لجلب المياه الصالحة للشرب ، والمقبرة المسيحية ، واول مدرسة اسبانية عرفتها القصر الكبير ، وانجازات أخرى جعلت من القصر الكبير مدينة متوفرة على أسس استقبال المستقبل بما يليق من إضافات مماثلة لما تحقق دون توقف ، وهي كلمة حق من الواجب تسطيرها بما تعنيه أن ما بنته اسبانيا إبان احتلالها للقصر الكبير في عشر سنوات لم تضطلع الدولة المفربية في بناء ولو ربعه خلال سبعين سنة من الاستقلال ، والادهى والأمر من ذلك سكوتها الغريب عن إتلاف أغلبية تلك المعالم الرائعة التي حملت توقيع اسبانيا لتصبح دليلا ممنوحا عن مدينة القصر الكبير لمعرفة من ساهم في بناء أجزاء مهمة منها ومن ساهم في هدم مآثر كان المفروض أن تُصان ليُشيَّد بجوارها الأحسن منها ، لكن هو الانتقام من مدينة عُرِقت بقولها "لآ" وهي على حق ، مكان "نَعَم" المطلوب الإدلاء بها كأمر ، تعلم مُسبقاً بفائدتها العائدة على الباطل لتقوبة مساره البعيد كل البعد عن احترام حقوق الإنسان

  مصطفى منيغ

سفير السلام العالمي

مدير مكتب المغرب لمنظمة الضمير العالمي لحقوق الإنسان في سيدني – أستراليا

وادي المخازن وخلل الموازين / الجزء 11

 

وادي المخازن وخلل الموازين / الجزء 11

القصر الكبير : مصطفى منيغ

الحَنِين ليس الحَنَان ، إن تقارَبا في الحروف شكلاً وعدداً ، تباعَدا في المعنى مضموناً مُتَجَدِّداً ، الأول إنعاش الذاكرة لاختبار العقل ذاته  ، إن ظلَّ في مستوى الحُكمِ على التمييز (مع تقدُّم عمر صاحبه) بين أحقية الماضي المُسجَّل عليه مباشرة مشهدا ناطقا بعد مشهد في خزان خيال ، و ترميم عجز الحاضر بما يُهَيَّأُ لحظة بلحظة  لحسن الختام . أما الثاني فارتباط فطري بين الناتج وأصل الإنتاج ، يبقَى على حاله غير مُتأثِّر بمرور الزمن أو تغيُّر الأمكنة ، عاطفة تُحَسُّ ولا تُلْمَس ُ أو تُرَى ، تيارها غير المألوف بتصادم الايجابي مع السلبي ، بل لقاء بين الجزئي الحي بالكلي الحي ، قد يتحوَّل حنيناً إن ارتبط بحادث جميل يُراد الاحتفاظ به ذِكرَى عزيزة تنعش الخاطر وتريح اللحظة المٌعاشة ولو لدقائق تَرُدُّ الخيال لحقيقة مرحب بتكرار فحواها الغير قابل للتغيير.

... بعد معركة وادي المخازن المجيدة أتت على مدينة القصر الكبير مراحل وإن تَناسَى مَن تناسَى وقائعها وحتى المميزة منها ، حيث أُدرِجت من نُظُمٍ متعاقبة ضمن المناطق المحسوبة (عنوة) على غير النافعة ، لإسقاط معنوياتها في وحل من إجراءات ظالمة تمهيدا لإعادتها مجرَّد موقع سكني عادي ، كائن في سهل اللوكوس بعيداً عن مراكز الحكم المركزية المتربعة على مغانم ، تخدم بها استمرارية فتن لانفراد فريق بالسيطرة على مجموع الفرق الأخرى ، المتمردة (أحيانا) المنتشرة في جغرافية المغرب .

... ما يصل للناحية يكتفي بالوقوف في مدينتي تطوان وطنجة ومرات قليلة جدا في العرائش ، أما القصر الكبير فنبع خوف يتفادى البعض التقرب منه حتى لا يُصاب الأكبر فيهم نفوذا بداء الكرامة تقزم مكانته وتعيده فارغ النفع ، غير قادر على الأمر أو النهي . وصمدت غير منعزلة عن إشغال نفسها بما يضمن بقاءها ، من مجالات الفلاحة والصناعة التقليدية والتجارة والصيد من واديها الغني بنوع من السمك عز وجوده في وديان أخرى ، وقبل هذا وذاك الانكباب على التعلم وتحصيل الفقه على يد فطاحل الاختصاص المشهود لهم بالكفاءة . فتكونت الزوايا ومنها زاوية أولاد غيلان المؤسسة من طرف عائلة تحمل نفس اللقب أصلها أندلسي من مدينة غرناطة ، برز منها القائد المجاهد أبو العباس أحمد الخضر غيلان زعيم حركة الجهاد بمنطقة الهبط ، الذي استطاع ضم مدن تطوان وشفشاون ومعظم طنجة و تازة وما حولها من دواوير وبعض القبائل ذات الصيت تحت راية نفوذه ، جاعلا من القصر الكبير عاصمة له ، ممَّا جعل السلطان إسماعيل العلوي يشعر بجسامة خطورة هذا القصري الزاحف عبر مراحل لتأسيس دولة ، فلم يهدأ له بال حتى جمع حوله جيشاً جراراً كامل العتاد والعُدَّة ، اقتحم به بعد قتال شرس وعناء مضني  مدينة القصر الكبير ، لتتعرَّض (بعد قتل غيلان) لتخريب طال مجمل أرجائها ، ولتُلحَق بقائمة المغضوب عليهم بشكل متجدِّدٍ ، لولا عراقتها وصبر أهاليها على تحدي المتاعب القاهرة وتجاوز المصاعب المدمِّرة لاندثر حتى حسها ، لم يقتصر المشرفون على معاقبتها بحكم علني واضح ، بل تكتموا (ومن عوّضوهم) على الطريقة المُتبعة عبر العقود المتتالية ، لتذوب من تلقاء نفسها ، لكنها بقيت بواسطة أبنائها وبناتها جيلا بعد جيل ، تناضل بذكاء وتجلد ونكران الذات وتحصيل العلم ، وتخصين تاريخها الحقيقي من تلاعب قلة قليلة راغبة في الظهور لتُشكَر، ثم ليتبدد ذكرها كأنها فاصلة بين جملتين ، احداهما تتحدث عن ماضي وانتهى ، والثانية عن مستقبل الفائز فيه حق القصر الكبير فيما قبلة من حاضر .

... إلى أن حل الاحتلال الاسباني بسبب ضعف هؤلاء الحكام ، و تقصيرهم البيِّن في تحمل مسؤولية الدفاع عن حوزة الوطن بما يبقيه بعيداً عن مثل المأساة ، الجاعلة غرباء أسبان بصلون حتى القصر الكبير في راحة وبغير خسارة كبيرة  تُذكر ، الاسبان الذين استولوا على المدينة وهم أعلم بما يتوفر لذى أهلها من بذور قابلة للزع ، ان وُضِع رهن إشارتهم ما يتطلب الأمر من إمكانات مادية ، كفيلة بالسقي ومتابعة المراقبة المنتظمة طيلة مرحلة النمو ، كأول خطوة لانبعاث مدينة بعد سبات عميق فُرِض عليها فرضاً.

  مصطفى منيغ

سفير السلام العالمي

مدير مكتب المغرب لمنظمة الضمير العالمي لحقوق الإنسان في سيدني – أستراليا

وادي المخازن وخلل الموازين / الجزء العاشر

 

وادي المخازن وخلل الموازين / الجزء العاشر

القصر الكبير : مصطفى منيغ

الحنين نافذة تُطِلُّ منها الراغبة في زيارة مطوّلة أو خفيفة ، لبستانٍ أشجاره أفعالها السابقة ، بأدقِّ جُزَئياتها المعقَّدة أو البسيطة ، وأزهاره تصرفاتها العامة أو الحميمية ، وعشبه اندفاعات نفسانية تلقائية ، أو مُخطَّطَّ لها دون فرضها واقعاً بأدوات متحركة ، لتنتقي ذكرَى عزيزة لديها تعيد خيالها مرات تلو مرات و تٌفرِح خاطرها بتخيُّلها والدنيا لها مبتسمة ، أو تتهرب بالقفز على جزء عاشته أورثها مأساة عاتية ، تزعج اللحظة الملتصقة بها لعنة تطاردها آنياً وهي ما عليه من مستوى اجتماعي رفيع وحياة تبدو ظاهريا هنيّة ، ومهما تصنعت الابتسام قسمات محياها تعبر عن أزمة حقيقية ، مثلت ولا تزال نقطة سوداء في جغرافية حياتها تجعل منها السعيدة الشقية . الحنين منزِلة لمَن صَفَى ماضيها (في مجمله)  للطبيعى المُباح الحلال وتدرَّج حالها مع خُلق الحياء عن تربية ، الطهارة قاعدتها والايمان قائدها صوب التخلص من جاذبية الدنيا الفانية ، إلى التمتُّع في الدائمة بصفة الراضية المرضية ، الحنين مرصود لمن  يطاردها كابوس فعل شنيع يمزق غطاء ليلها ويرقِّع دون جدوى عراء نهارها وقد هوت لحضيض الشيطان المُزين المحذور لضعيفات النفس المتطلعات لمعاكسة الأقدار بكسب حرام وانجرار خلف المعاصي ببيع لحمهن الحي لمتصيدي اللذة الممنوعة شرعاً و فانوناً دون هوادة .    

... مدينة القصر الكبير مَثَّلَها عملياً داخل المعمعة الشيخ أبو المحاسن يوسف القصري ، الذي تولى جناح الميسرة  قائداً لأعداد من القصريين الناشدين الانتصار على الصليبيين ومَن معهم من الخونة (وعلي رأسهم السلطان محمد المتوكل بمجموع خمسمائة من الفرسان التابعين مباشرة له) أو الاستشهاد ، فكان دورهم في ذاك الجناح القتالي المُخصَّص لهم ، دورا حاسماً برز فيما أطهروه من اتقان لفنون القتال ، واعتمادهم على إرادة متشبثة بنور الإيمان ، المشع بطاقة الحق في الانتصار ، وفاء للعهد الذي جعلوه وديعة مخزونة في ضمائرهم ، يؤكدون به انتسابهم لمربِّية المجاهدين عبر التاريخ مدينتهم القصر الكبير ، لذا والتحاما مع سائر المقاتلين أكانوا من مراكش ونواحيها أو فاس و القريبين منها ،  أو سوس بمختلف جهاتها ، حققوا المرجو منهم ، في مدة زمنية لن تتعدى الستة ساعات ، هي عمر المواجهة بينهم والعالم الصليبي المُصاب بهزيمةٍ أرَّخها فرار المتبقين من جنوده المهزومين ، بمداد متجدِّدٍ سواده عبر القرون ، لتوضيح موقع القصر الكبير لوضعه في ألبابهم السد المنيع القاهر سيول غدر الطامعين في امتلاك أرض المغرب  ، الحاقدين أنذاك على الإسلام والمسلمين .

... اليوم سيطر الفتور على الناحية قصد تعويض نسيان ما يدعو محورها القصر الكبير للافتخار ، بدفع الأخيرة لاستخراج أسلوب مُبتكر قد تعتمده القوى الحية للمدينة لاستعادة ما يخصها من ملحمة خلدها القدر ملتصقة باسمها ، وما الانجاز العظيم سوى التحام بين السبب والمُسبِّب عن رؤية وتخطيط وما بينهما من ارادة نابعة من مكان الحدث وبمباركة زمانه ، وكما دافعت القصر الكبير في وادي المخازن عن الاسلام والمسلمين مهما كانوا عبر الدنيا ، ستدافع في مرحلة ما عن تاريخ القصريين الحقيقي ، أينما حل بهم مصيرهم عبر القارات الخمس ، التاريخ المُحتِّم على قارئه الاعتراف أن المَدَّ بامتداد الإهمال والإقصاء له حَد ، وقؤيباً ستبدأ المحاسبة التلقائية ، ومصدرها نفاذ صبر العقلاء وانتهاء العمر الافتراضي لعدم الاكتراث .

        مصطفى منيغ

سفير السلام العالمي

مدير مكتب المغرب لمنظمة الضمير العالمي لحقوق الإنسان في سيدني – أستراليا

وادي المخازن وخلل الموازين / الجزء التاسع

 

وادي المخازن وخلل الموازين / الجزء التاسع

القصر الكبير ك مصطفى منيغ

الحنين استشعار عن قرب أو أي مسافة أخرى ، لا يحتاج للضغط على زرِّ آلةِ تَحكُّمٍ عن بعد ، او وسيلة مُبتكَرة مستقبلاً أكثر نجاعة للتمَكُّن مِن ذلك ، بل بأمر صادرٍ عن عقلٍ لتتحرك الذاكرة وفق المكان المحدَّد والتوقيت المصاحب الحدث المطلوب للحضور ، رؤية واضحة أمام الراغبِ في فحص ملفه السري بينه وبين نفسه ، لغرضٍ هو أدرَى به يعيده للحظات حبور ، أو الخوف من عذاب القبور . الحنين استئصال فكرة الوحدة للإنفراد بالضياع لتغلُّبِ اليأسِ وانتهاء الأحاسيس للنفق الضيق العديم المخرج ، و بالمقابل تمكين الانفراج مِن فسحة التأكيد أن لكل متحرٍّك عاقل فرصة التعلق بالأمل ، على ضوء استقراء فحوى المُسُجَّل في ذاكرته منذ وعيه أنه مخلوق عاقل ، إلى آخر رمشة عين له في الحياة الدنيا. ... القصر الكبير مدنٌ في مدينة ، أطنان تفوق أى وزن للأوزان ، من ركام هدَّ صمود وقفاتها قصوراً الزمن ، وأساطير لا تُحصَى ترويها الأيام لشقيقاتها عبر الكثير من الأعوام ، وهبوب أعثى الرياح ناحتة أصداء حياة بدائية على بساط بسيطة تبدلت ألوانها عبر عصور ، بمشي ملايين المخلوقات العاقلة والغير العاقلة ، غابت قبور اغلبيتها من بشر ، لتُدفن مرات فتستقرَّ في باطن باطن الأرض ، وعلى التنقيب مسؤولية تحديد الطبقة التي ترسو عليها المدينة ، بعد كل تلك الحقب غير المحصورة لحد الآن بعلم مختص ،  ما دامت القصر الكبير مُعرَّضة لعدم الاكتراث الرسمي ، لدرجة لا تقتصر على إهمال وتهميش ما لها وما عليها ، بل التخلي شبه المطلق عن المعرفة القادرة على التأكيد لمن لم يتأكد بعد ، أنها من أولى التجمعات السكنية ، التي عرفتها المنطقة قبل تأسيس  الدولة المغربية كدولة بمراحل . ولو كانت الأخيرة تسعَى لتنمية مدينة ، لبدأت بمن تملك مقومات احتضان ذلك منذ مدة ليست بالقصيرة ، لكنها اهتمت بغيرها ممن تُذَكٍّر أن التمدُّن والتحضُّر انطلق فيها ، منذ وجود فئة حاكمة كل مثقال نماء ازداد فبفضلها ،  فئة اعتقدت أنها التاريح بماضيه وحتى مستقبله . ومع ذلك استطاعت القصر الكبير الوقوف على رجليها والفضل عائد لما ورثته مما بذله رجال ونساء منحوا حياتهم كلها لبناء طوبة طوبة ما تزخر به من أسس قابلة للبدء مع مرحلة الازدهار ، متى عمَّ الانصاف كل الربوع ، بتوزيع الثروة الوطنية على الجميع ، وأيضا قابلة للتعايش مع الأدنى الذي تنتجه اعتمادا على نفسها دون الانبطاح أو بيع كرامتها مقابل تطبيق سياسة القوي بالباطل ، للتحكم في الضعيف المُذل . علما أنها أسقطت الانبطاح والذل من قاموسها، مستبدلة إياهما ب :"النِّد للند والكل بعد التسعة أشهر هم مواليد" .

.... القصر الكبير المدينة استوعبت جيدا وبسرعة قصوى المطلوب منها لإنجاح معركة الفصل  المصيري بين مرحلتين من أجل هدفين ، مرحلة الاختيار عن قناعة الانسجام مع حكم سلاطين فرقت بينهم الأسماء العائلية ومصادر الانتساب الحقيقية ، وأحيانا تطاحنات شجعت الغرباء من الضفة الشمالية للأبيض المتوسط ، للسطو على مدن مغربية كسبته و مليلية و طنجة وأصيلا ، أو الالتفاف حول  شرفائها من فقهاء لهم التقدير والاحترام ووجوب سماع نصائحهم المنظِّمة لمشاغل حياة مواطنيها اليومية ، والهدف الأول من وراء ذلك البقاء على حياد ايجابي اتجاه هؤلاء السلاطين الذين كان نطاق اهتمامهم (خلال مراحل معينة) يتمحور حول مدينتي مراكش و فاس ، وما يحيط بهما من قبائل لها مقراتها الموزعة على عشرات الدواوير أو القرى ، فاقدة التنسيق فيما بينها ، تابعة لمن يحميها ويجلب لها حقا من غنائم معينة معروفة الوسائل المستعملة من طرف روادها بعض حكام طامعين في توسيع نفوذهم مهما قدموا من أجل ذلك ، كالخيانة والارتماء بين أحضان اتباع الكنيسة المسيحية ، أما الهدف الثاني مبتغاه التنفيذي منسجم سيكون مع أول حدث قادر على التأثير الواصل بَعْدَ المساحات المحلية الوطنية تلك الدولية ، فكانت معركة وادي المخازن المحسوبة ليس عما سبق وحسب وأنما على واقع مستقبلي يفرض اسم القصر الكبير كمحطة تحريك محور التغيير القاصد الاطاحة بالطالح من أجل ترسيخ الصالح ، الضامن الانطلاقة المنشودة لغد الكرامة والعزة والحرية ورفع راية التعايش بين الخَيْرِ والخيِّر ، والارتقاء بأي نظام حكم جديد ، من السيطرة القاهرة ، إلى التدابير النيرة ، قوامها العدل والمساواة واحترام حقوق كل إنسان ليتمكَّن من القيام بواجبه . 

  مصطفى منيغ

سفير السلام العالمي

مدير مكتب المغرب لمنظمة الضمير العالمي لحقوق الإنسان في سيدني – أستراليا

وادي المخازن وخلل الموازين / الجزء الثامن

 


القصر الكبير : مصطفى منيغ

الحنين التفاتة لتقييمِ ما مضَى وتصفيةِ الصواب مِن الأخطاء عن طريقِهِ لاستجلاء مَا جرَى في توقيت لا يكون النضج قد تمكَّن مِن عقلٍ طرِيِّ التجربةِ حيال وضعية بحرٍ من المتناقضات وهيجانه واحد والاتجاهات الكثيرة وجلها ملتوية . قد لا يروق تحصيل الحاصل  ، كما لا يجوز تغيير ولو ذرة من الراسخة كأفعال ، ساير بها شاب طموحه الخالي من التدبير الأنسَب ، فالتسرُّع ليس إدراك الحاجة بسرعة ، بل طمع في ربحٍ وقتٍ ينقَلِب لضياعه ، إذ لكل تأسيس قواعد زمنية تلازم أهميته كقيمة وجودة وبالتالي ايجابية النتيجة ، قد يقرب الطيران على علوٍ ما  ، المسافة بين نقطتين وكلما ارتفع قَصُر معه أوان الوصول ، لكن مصاريف ذلك تزداد فلما احتيار الأسهل المُكَلِّف على نفس الأسهل القليل التكلفة ، ما دام الهدف واحد المحدد في الوصول ؟؟؟.

... مدينة القصر الكبير استعادت وهج مكانتها كالماضي التليد ، مربوحة هذه المرة ، بالتضحيات الجسام المُقدَّمة لصالح المعركة المباركة ، تلقت الرسالة من مراكش فاستعدَّت أحسن ما يكون الاستعداد ، نِسَب المتطوعين فاقت أقصى طَلَب ، الراغبون في الاستشهاد غير مقيَّدين بالرفض أو القبول ، كأمواج بحر لا تبحث عن ترخيص إضافي بالارتطام مع أي حاجز ، إذ مهمتها إرضاء خالقها بتأدية المأمورة به لا أقل ولا أكثر ، وهنا تجلَّت حسنات تكوين الناشئة على وضع ما تلقنته من تعاليم تُقدِّم الجهاد في سبيل رفع كلمة الله أكبر في وجه الطغاة مهما كانوا ، لذا لم يجد السلطان عبد المالك السعدي (الحجازي الأصل ، الهارب المُنعم عليه من طرف الأتراك ، الذين كان لهم الفضل  ليدخل مدينة فاس على رأس خمسة الآف جندي منهم استقدمهم من الجزائر، كانوا الأساس لاستعادته حكم المغرب)   بوصوله لمدينة القصر الكبير ، الا بما يعجِّل انتصاره على الملك سان سبسطيان ، ومساعديه الايطاليين والألمانيين والأسبان ، الزاحفين دون استئذان ، تحت راية الصليب بامر من رهبان الفاتكان .

... لحد الساعة لم ينصف التاريخ في هذا الشأن مدينة القصر الكبير ، لأسباب لم يكن صعباً استكشافها ، ومن أهمها التفكير في بعض مدن أخرى ، وجد من وجد سهولة الاستحواذ على مقامها ، ليكرِّس وسطها مخططاته ، الرامية لكسب اعترافها المطلق ، بإرادته في امتلاك أجود ما فيها من أراضي ، واستغلال أنجب ما لديها من عقول ، قادرة على ضبط استمرارية مفعول تلك التخطيطات مرحلة بعد أحرى ، دون التفات لحق ما للشعب فيها من أفراد أو جماعات ، وجدوا أنفسهم محصورين بخدام ألفو التعامل بالباطل مع الباطل ليغنموا ما غنموه بالباطل . مدينة القصر الكبير ما كانت لتقبل بغير الضامن لحقوق الانسان ومنها الاختيار بحرية ، للحفاظ على مكتسباتها المزكية من طرف التاريخ المصنوع بسواعد أبنائها وعرق جبابهم وأحيانا ما سُفك من أجسادهم دماً زكياً طاهراً وهم يدافعون عن الكرامة والعزة ونصرة عقيدتهم السمحة ، ومَن يدعي أن للمدينة مؤرخ ، أن يراجع نفسه وينتقل مثلي إلى اليونان وعاصمتها أثينا ويطلع مباشرة عما يجعله متأكدا أن القصر الكبير لها تاريخ أكبر بكتير مما يقتبسه البعض من روايات رسمية تمر على الأحداث الحقيقية مرور الكرام  ليس لها من القصر الكبير إلا القشور ، ويستحضرني ألان ذاك النقاش المسؤول الدائر بيني والراحل محمد بوخلفة ، ساعتها رئيسا رائعا مخلصا وفيا لمجلس بلدية القصر الكبير ، وأنا موظفا ككاتب إداري خاص بعامل (محافظ) إقليم(محافظة) تطوان السيد معمر اليعقوبي ، بمناسبة الانتهاء من مراجعة كتابه "الطريق لمعرفة القصر الكبير " ، حيث ذكرته بالتفكير في تأسيس جمعية محلية تهتم بدراسة تاريخ القصر الكبير من جميع زوايا مراحله ، والاستئناس في الموضوع بالمدون في كتب لها مصداقيتها ، منتشرة في خزانات بعض عواصم الدول ذات الارتباط بالموضوع أكانت أثينا أو برلين أو روما أو انقرا أو مدريد أو لشبونة ، للخروج بسلسلة من كتب تعيد للمدينة هيبتها ومكانتها من الاستثمار الثقافي العالي المستوى ، طبعا وعدني بالعمل انطلاقا من مسؤوليته كممثل لسكان القصر الكبير المستحقين انجاز كل ما يخدمهم وعلى رأس ذلك توعية الجميع بفحوى كنز لا يقدر يقدر بثمن ، لم يختزنوا منافعه (أبا عن جد) لأنفسهم فقط وإنما للإنسانية جمعاء .

مصطفى منيغ

سفير السلام العالمي

مدير مكتب المغرب لمنظمة الضمير العالمي لحقوق الإنسان في سيدني – أستراليا

وادي المخازن وخلل الموازين / الجزء 19

  وادي المخازن وخلل الموازين / الجزء 19 القصر الكبير : مصطفى مُنِيغْ الحنين حِسابٌ شخصي في مَصْرِفٍ مَقره كامٍن في لبِّ الذاكرة ، ير...